الجسر.. والمركب-محمد بقــــوح
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

الجسر.. والمركب

لم نتمكن من قطع الجسر.. لأننا اختلفنا في نوع الحذاء..، ولون القبعات..، وشكل المعاطف..، التي تلزمنا كألبسة..، للنجاح في تجاوز هذا الجسر اللعين.. وصلنا إليه في منتصف الليل. أقمنا خيمنا الصغيرة فوق الجسر العملاق. قلنا سنمضي هذه الليلة هنا، وفي الصباح الموالي، سنشد الرحال إلى ما بعد الجسر...إلى الضفة الأخرى.
لكن وضعنا هذا تحول ، لأسباب في أنفسنا، ظلت مجهولة إلى اليوم، إلى إقامة إجبارية، على جسر معلق في سماء متصلبة، دامت لسنوات طويلة..، وصعبة للغاية.. و لا تزال مستمرة حتى الآن.. ننتظر جميعا أن نتفق حول طبيعة اللباس ولونه وشكله، الذي يناسب رحلتنا فوق جسر عملاق.. كجسرنا. لم نتفق بعد..، بل تضاعفت حرارة اختلافاتنا، حيث بتـنا نعثر في كل صباح، على جثة داخل خيمة من خيمنا.. ولما بحثنا وحققنا في الأمر، انتهينا إلى أن هذه الجثث تحمل كلها علامات و"عضات" نفس الأفعى..، وأغلب الظن، أنها "سافرت" معنا متخفية في إحدى الحقائب، منذ انطلاقتنا من مدينتنا..
لقد جعلنا هذا الحدث، نحن الثلاثة، الذين نقيم تحت سقف نفس الخيمة، نفكر في حل أنجع، يليق بوضعنا على الأقل نحن الأصدقاء المتفقين والمنسجمين..و لن يكون هذا الحل إلا بخرق العهد..الجماعي..و تأسيس موقف جديد..و ذلك بترك الجسر، والبحث عن الحياة.. حياة حقيقية خارج الجسر.

هكذا، انسللنا في إحدى الليالي العاصفة، عندما كان جميع أفراد فريقنا، رجالا ونساء وأطفالا، نياما.
في البداية، تركنا الجسر عائدين إلى الوراء. توغلنا داخل مجاهل غابة كثيفة الأشجار العالية والضخمة. قطعنا جذوع الشجر بجهد جاهد..، وصنعنا منه مركبا صغير الحجم..، ومجاديف متساوية الطول...، ومن خيمتنا الرمادية صنعنا ما يشبه شراع المركب، الذي أصبح لا يختلف كثيرا عن مراكب الحرفيين. بعد ذلك دخلنا إلي جوفه، وأملنا كبير لتجاوز محنة الجسر، والوصول إلى الضفة الأخرى.
زادنا ماء وثمار الشجر..، وكثير من العزيمة لهزم موج البحر الأزرق...الذي ينتظرنا..
في أحيان كثيرة..، عندما يهدأ موج البحر، كنا نغني من دواخلنا..و بطريقة صاخبة جدا..

تركنا الجسر المحاصر بجماعتنا المتحجرة في عقليتها. ووجدنا أنفسنا كفرادى نحن الثلاثة، بالصدفة، بين أحضان أمواج بحر واسع الأفق. في اليوم الثالث من إبحارنا في مياه صافية صفاء العين..، أشرقت شمس أشعلت ضوء الأمل في ذواتنا المحترقة. سعدنا كثيرا بأول شعاع طبيعي، يصافح وجوهنا الجامدة ملامحها. لم ننظر أبدا إلى ورائنا. كنا نتناوب على قيادة مركبنا، الذي ازداد تعلقنا به أكثر فأكثر..إلى درجة أننا كنا نخجل أن نلقي "بنواة" الثمار، إلى خارجه في مياه البحر، حين نأكل قشورها اللذيذة..كنا نعتبر مركبنا.. رابعنا..



 
  محمد بقــــوح (2007-12-12)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

الجسر.. والمركب-محمد بقــــوح

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia